George Nassif on Aoun
في العونية عسكر على مين؟
اختار المسيحيون، بملء وعيهم او لاوعيهم، "جنرال الرابية" جنرالا أعلى لهم.
لا بأس. فهم أحرار في ان يقرروا من يعجبهم ايا يكن سجله سواء ابتهجت او استهجنت او لعنت او جزعت.
أعرف الاسباب، وقد بسطت بعضا منها (راجع "بلا ضفاف"، "النهار"، الأول من حزيران) بدءا من الاثارة الطائفية، الى قانون 2000، الى التسرع في اقفال لوائح بيروت والجبل، الى اخطاء "قرنة شهوان"، الى تماسك الطوائف الاخرى حول زعمائها، الى شعبوية خطاب الجنرال، الى عطش المسيحيين الى زعامة توازي الزعامات الطائفية الاخرى، وتخاطبها مخاطبة الندّ للندّ...
واعرف ان "العونية" ظاهرة تستمد زخمها من صورة الجنرال المنفي المظلوم، ومن الكره الشعبي للطبقة السياسية والفساد والمال، ومن صفات حسنة على المؤسسة العسكرية تنزيها لها عن مفاسد السياسيين، ومن مخاطبة الجنرال الجمهور المسيحي بلغة بسيطة، غير معقدة او مركبة سياسيا، ومن عدم صدوره عن خلفية ميليشياوية...
لكني، ربما بسبب هذه المعرفة بالذات، اخشى حتى النخاع، وأسأل:
- من هي القوى المؤهلة لان يعقد معها الجنرال حلفا مستقبليا؟ هل هو الثلاثي طلال ارسلان، سليمان فرنجيه وميشال المر؟
- كيف ستستقيم الحياة السياسية، في ما تبقى من عهد النظافة والاخلاق، بعد ان تلقى الرئيس الحالي شحنة قوية من الدعم الماروني، فيما تجري مقاطعة شاملة له من القيادتين السنية والدرزية؟
- الى اي حد ستعود سوريا التي لم تخرج اصلا، الى صلب السياسة اللبنانية (والامن) بعد عودة الروح الى بعض رموزها، وبعد تبرئة عون لها مرتين: مرة من مسؤولية الفساد برميها على السياسيين اللبنانيين، ومرة بتأكيد عون ايضا انها باتت خارج لبنان قطعا؟ وما شكل هذه العودة؟ هل هو الشكل الذي خبرناه سنين طولى، ام ثمة برقع ما؟
- هل سيبقى تحالف 14 آذار قائما؟ ما مصير "قرنة شهوان" في ذاتها كتجمع سياسي، ومن حيث وزنها كشريك مسيحي ضعيف امام جبابرة في طوائفهم؟ وحول اي برنامج جديد ستنعقد الشراكة؟
في الانتخابات، محاسن وقباحات.
في المحاسن، انها جرت اساسا، واتاحت للمسيحيين ان يفصحوا عما يرون.
في القباحات (والمفارقات) ان القيادات المسيحية التي ناهضت الحلم السوري، ودفعت اثمانا دفاعا عن صلابتها، ولم تتّسخ اياديها بالفساد، هي التي عوقبت بسحب التمثيل الشعبي منها، بعد الخروج السوري.
في القباحات ان "القوات اللبنانية" كانت سيدة الساحة المسيحية في ازمنة تشدّدها الايديولوجي والسياسي، وانقطاعها عن الشراكة الوطنية، فلما اعتدلت، وقالت قولا ميثاقيا، تصالحيا، حواريا، صارت شريكا ضعيفا في تمثيل "العصب المسيحي".
هل يعني ذلك ان ثمن الاعتدال والعبور نحو الآخر، هو خسارة الموقع الراجح داخل الطائفة؟
سيستهجن كثيرون مجيبين: لكن خطاب عون لم يكن طائفيا، فلماذا انتصر؟
في اعتقادنا ان خطاب عون غير الطائفي لفظا وتعبيرا، كان في العمق والباطن يلبّي اعمق النوازع الطائفية لدى طائفة كانت مقهورة تحت الوصاية السورية، عندما كان يتصدّى لمهاجمة وليد جنبلاط او الشيخ سعد الدين الحريري (ولو باسم الفساد) فيشبع لدى المسيحيين الحاجة الى من يرفع "رأس الطائفة" ويخرج من سياسة الملاطفة والملاينة، نحو الكلام الفجّ الصادر عن "الكرامة" والندية والمساواة.
كان خطاب عون، غير الطائفي لفظا، يشبع رغبة طائفية دفينة في البحث عن زعيم مسيحي قوي يمنع "أسلمة" البلد وهي التهمة المنسوبة الى الحريري الابن.
وكان خطاب عون غير الطائفي لفظا يذكّر المسيحيين بعصر "العز" الشمعوني، عندما كان زعيم سياسي مسيحي يمتلك جمهورا اسلاميا، ويقدر على تشكيل لوائح يضم اليها مسلمين تحت قيادته، عوض العكس، على ما جرى منذ اتفاق الطائف.
لقد كان الانتصار الكاسح اعلانا عن عودة الطائفة المارونية الى احتلال موقعها الرئيسي في التركيبة اللبنانية، بعد تهميش والغاء وانسحاب، ولكن من موقع الاشتباك السياسي مع زعماء الطوائف الاخرى، لا من موقع الشراكة الذي حاولت "قرنة شهوان" ان تجسّده.
من هنا، خشيتنا من "صدام الطوائف" اذا استبدّت بكل منها شهوة ان تتماسك وتجلس على اسلحتها، ولو كانت سياسية او ايديولوجية، وتتناطح في خياراتها ووجهاتها العامة.
تحدثنا عن القباحات، ثمة ما هو اكثر: الفاجعة.
فاجعة ان ينعقد المجلس الجديد من دون الصديقين نسيب لحود وفارس سعيد، الرمزين الاكثر اشراقا في الحياة البرلمانية كلاً.
لسنوات، كانت الاوساط السياسية والثقافية والاعلامية ترتقب مداخلات نسيب لحود البرلمانية، وهي المشبعة علما وتحليلا وتخطيطا واستقراء، مثلما تنتظر مداخلات فارس سعيد، بجرأتها وتماسكها وطلاقتها.
كان نسيب لحود نائبا من طراز خاص، يحترم عقول ناخبيه، يرفض ان يتوسل الغوغاء والقبضايات والدولار، يحرص على ان يخاطبهم من شرفة المنطق والاستقامة والنبل. لم يجر مجرى خصومه. لذلك، ربما، سقط...
النائبان الرجلان، سقطا بعد استشهاد سمير قصير. "عسكر على مين"؟ ايها السادة؟
جورج ناصيف
*****************************************************
And the stupidity of Jumblat from AlBalad:
منذ احتفاله بالنواب الفائزين في انتخابات المراحل الانتخابية الثلاث، ممن خاضوا المعركة على لوائح "المعارضة" لا يفعل النائب وليد جنبلاط سوى "حشر" حلفائه المفترضين في الوسط المسيحي ودعم منطق خصومهم القائل ان جنبلاط لا يركن اليه وبالتالي لا يجوز التحالف معه!
وبدأت القصة في ردة فعل جنبلاط المتسرعة على انتصارات العماد ميشال عون في المتن وجبيل وكسروان، ثم تكررت في لقاء المختارة عندما حرص على التذكير بموقعة سوق الغرب الشهيرة ليتبعها أمس بتصريحات يرسم فيها حدود جبل لبنان "من الجبل الى الضاحية" مضيفاً "هذا هو جبل لبنان ولن يكون هناك ثنائية في جبل لبنان (...) والشريك المسيحي أعطى 30 % من الأصوات وان كانت نسبة قليلة، لكنها نسبة صلبة تؤكد الشراكة والتنوع في جبل لبنان، وإذا كان الغير في مناطق أخرى قد فسر نتيجة جرف "التسونامي" فالتسونامي الى أين؟ مهما كانت نتائج الشمال فإلى أين".
لا يدخل مثل هذا الكلام في اللحظة الراهنة في سياق خدمة حلفاء جنبلاط الشماليين الذين يخوضون بعد غدٍ معركة ستحدد موقع التحالف المعارض، بمن فيه جنبلاط نفسه، في المجلس النيابي المقبل، فليس الوقت وقت تقييم للمراحل الانتخابية. لأن لدى الجميع ما يقولونه في هذا الخصوص، وليست حركة جنبلاط المستعجلة في "ظروف أمنية" لا يزال يشكو منها، كبيرة الإفادة لأي شريك، لا للذين خسروا ولا للذين يجهدون لجمع أصوات تؤهلهم للفوز.
ويطرح كثيرون سؤالاً لماذا يفعل جنبلاط ذلك وهو يعرف ان كل ما قاله ويقوله لا يوظف إلا في إضعاف الشركاء؟ ويحار هؤلاء في أمر الرجل الذي لعب دوراً أساسياً في "انتفاضة الاستقلال"، ويتذكرون انه لولاه لما كان لشبكة المعارضة ان تتسع في أيامها الأولى لتحولها من مجرد "معارضة مسيحية" محصورة في طائفة محددة الى معارضة خارقة للطوائف أعطتها رعاية الرئيس الشهيد رفيق الحريري أبعادها الوطنية الواسعة.
ويتذكر هؤلاء أيضاً الدور المركزي لجنبلاط خصوصاً بعد جريمة 14 شباط في إطلاق الحركة الشعبية الاستقلالية الواسعة، رغم التهديدات والتهويلات التي حصلت والتي أسهب هو شخصياً في كشفها والحديث عنها.
ولذلك هم يسألون الآن، لماذا ينكفئ جنبلاط الآن الى مواقع انطلق منها أصلاً ليكتسب شرعية وطنية رحبة؟ وهل كل ذلك بسبب خيارات الناخبين في الجبل أو حتى خيارات المرشحين وفي مقدمهم العماد عون؟
الاستقلال والحرية والسيادة تستحق من جنبلاط شباط وآذار، وانتخابات الشمال الحامية تستحق مواكبة مختلفة تماماً، مهما كانت الكلمة التي سيقولها لبنانيو المحافظة من القرنة السوداء الى ميناء طرابلس، وعندما يكتمل عقد المجلس النيابي سيصبح على الجميع ان يتصرف أولاً بوصفه مسؤولاً عن بلده... ثم على سبيل التفكه الاهتمام بشؤون العشيرة والطائفة والذكريات.
وبدأت القصة في ردة فعل جنبلاط المتسرعة على انتصارات العماد ميشال عون في المتن وجبيل وكسروان، ثم تكررت في لقاء المختارة عندما حرص على التذكير بموقعة سوق الغرب الشهيرة ليتبعها أمس بتصريحات يرسم فيها حدود جبل لبنان "من الجبل الى الضاحية" مضيفاً "هذا هو جبل لبنان ولن يكون هناك ثنائية في جبل لبنان (...) والشريك المسيحي أعطى 30 % من الأصوات وان كانت نسبة قليلة، لكنها نسبة صلبة تؤكد الشراكة والتنوع في جبل لبنان، وإذا كان الغير في مناطق أخرى قد فسر نتيجة جرف "التسونامي" فالتسونامي الى أين؟ مهما كانت نتائج الشمال فإلى أين".
لا يدخل مثل هذا الكلام في اللحظة الراهنة في سياق خدمة حلفاء جنبلاط الشماليين الذين يخوضون بعد غدٍ معركة ستحدد موقع التحالف المعارض، بمن فيه جنبلاط نفسه، في المجلس النيابي المقبل، فليس الوقت وقت تقييم للمراحل الانتخابية. لأن لدى الجميع ما يقولونه في هذا الخصوص، وليست حركة جنبلاط المستعجلة في "ظروف أمنية" لا يزال يشكو منها، كبيرة الإفادة لأي شريك، لا للذين خسروا ولا للذين يجهدون لجمع أصوات تؤهلهم للفوز.
ويطرح كثيرون سؤالاً لماذا يفعل جنبلاط ذلك وهو يعرف ان كل ما قاله ويقوله لا يوظف إلا في إضعاف الشركاء؟ ويحار هؤلاء في أمر الرجل الذي لعب دوراً أساسياً في "انتفاضة الاستقلال"، ويتذكرون انه لولاه لما كان لشبكة المعارضة ان تتسع في أيامها الأولى لتحولها من مجرد "معارضة مسيحية" محصورة في طائفة محددة الى معارضة خارقة للطوائف أعطتها رعاية الرئيس الشهيد رفيق الحريري أبعادها الوطنية الواسعة.
ويتذكر هؤلاء أيضاً الدور المركزي لجنبلاط خصوصاً بعد جريمة 14 شباط في إطلاق الحركة الشعبية الاستقلالية الواسعة، رغم التهديدات والتهويلات التي حصلت والتي أسهب هو شخصياً في كشفها والحديث عنها.
ولذلك هم يسألون الآن، لماذا ينكفئ جنبلاط الآن الى مواقع انطلق منها أصلاً ليكتسب شرعية وطنية رحبة؟ وهل كل ذلك بسبب خيارات الناخبين في الجبل أو حتى خيارات المرشحين وفي مقدمهم العماد عون؟
الاستقلال والحرية والسيادة تستحق من جنبلاط شباط وآذار، وانتخابات الشمال الحامية تستحق مواكبة مختلفة تماماً، مهما كانت الكلمة التي سيقولها لبنانيو المحافظة من القرنة السوداء الى ميناء طرابلس، وعندما يكتمل عقد المجلس النيابي سيصبح على الجميع ان يتصرف أولاً بوصفه مسؤولاً عن بلده... ثم على سبيل التفكه الاهتمام بشؤون العشيرة والطائفة والذكريات.
<< Home